منتجع سياحي جداً
تواترت الأخبار عن آخر منتجع سياحي أقيم هناك .. البعض فند الخبر كله فيما آخرون قالوا :
- حسن .. وأين المشكلة ؟
إلى هنا كان الخبر عادياً جداً فالسياحة مزدهرة , خاصة في هذه الأيام والإجازات قائمة على قدم وساق , خاصة هؤلاء السادة المترفين .. كما أوضح الموظف :
- تريد بطاقة إلى هناك .. لك ولأفراد أسرتك العشرة .. المشكلة يا صديقي أن البطاقات كادت تنفذ , لكن لا عليك .. فكم ستدفع يا سمو الأمير ؟
ابتسم السيد وهو يوشوش في إذن الموظف , جملة ظلت سراً حتى عودة الأمير من رحلته .. ضحك الموظف لأكثر من ساعة , وهو يتخيل هديته تلك , وقدم البطاقة ليسرع الأمير إلى أبنائه سعيداً :
- أخيراً حصلت عليها .
همست الصغيرة نجد قائلة :
- بابا أنا لا أحب الطائرات .. أو ركوبها , أنا أخافها كثيراً .
ابتسم الأب مطمنناً طفلته :
- ستكون رحلة كباقي الرحلات , فلا تخشي شيئاً .
نظرت الأم إليه بخوف :
- ما هذه اللامبالاة يا بندر ؟ ألا تعلم كيف كانت رحلتنا لجزر الكاريبي ؟؟
- كفى قلقاً , قلت لكم إن هذا منتجعاً سياحاً بامتياز , كما قيل لي , وسيكون صرخة العصر , لما فيه من مغريات .. وأنت يا محمد ما رأيك ؟؟
تمتم محمد كلماته بحزن , وهو يجيب هامساً :
- أبي أنك تعلم رأيي في هكذا منتجعات .
- غبي كالعادة تريد أن تبقى في هذه الصحارى اللاهبة , بدعوى أنك لا تحب الابتعاد عن رفاقك ..أذهب إن شئت إليهم إذن .
نظر محمد إلى أخته الصغرى وهو يردد :
- لا .. لا سأبقى كي أحمي نجد .
ابتسم الأب وهو يهمس لولده : مم يا محمد ؟ قلت لك منتجعاً سياحياً وليس ساحة معركة .
- ومع هذا فأنا سأحمي أختي .
- عظيم يا نجد بما أن محمداً تبرع بحماتيك .. فأبشري يا عزيزتي ..
ردد هذا وهو يحمل الأمتعة إلى الحافلة , فيما بقيت أولاده يقومون على مساعدته وهم ينشدون :
- تريثوا يا أطفال .. تريثوا أيها العفاريت , فالرحلة لم تبدأ بعد .
في الأفق كان الضباب يلف كل شيء .. ضاق الصغار بالرحلة وهناك عند المعبر , حدثت مشادة بين سمو الأمير والضابط , قرب البوابة :
- قلت لك إن المعبر مغلق لأسباب أمنية .
- ليس أمام الأمير أيها الأحمق .. أفتح بسرعة .. وإلا أصدرت أمراً باعتقالك .
فتح الضابط البوابة وهو يرتعد خائفاً , فيما عاد الأمير وعلى سمائه شارة النصر :
- أشاهدتم يا أطفال .. هكذا ننتصر دائماً في معاركنا .. تعلموا درسكم الأول .
يبدو أن القصة عادية لكم , معكم الحق فرحلات بندر وعائلته لم تحمل من المغامرة الشيء الكثير , لكن لم العجلة لازلنا نسرد الحكاية وقد وقفنا عند المعبر , حيث وصلت العائلة إلى داخل المنتجع ليلاً , لم يكن ثمة فنادق , فالكل قد أغلق في مثل هذا الوقت , فيما كان الظلام يعم كل شيء ..
كان الأطفال في حيرة وحزن شديدين :
- أي منتجع هذا يا أبي ؟؟
سأله محمد .. نظر الأب إليه ولم يستطع أن يقول شيئاً , فيما ظهرت أشباح طائرات أربع في الجو , وراحت تقصف .. وتقصف أسرع محمد نحو أخته , لكن القذيفة كانت أسرع من الجميع , فنسفت الحافلة بمن فيها , سقط الأمير جريحاً , هناك في المشفى راحت بطاقات الاعتذار تتوالى عليه , من السادة الكبار .. من كوري .. وصوفي وكان أشدها تعاطفاً من ميري , التي أعربت عن أسفها , فلو أنها علمت بقدوم السيد بندر إلى المنتجع , لما كانت أمطرته بكل هذا الكم من الزهور , التي يبدو أن عائلة السيد بندر , لم تعتد هكذا حفاوة بها .
رحل السيد بندر إلى بلاده وقد ودع عائلته , في أرض المنتجع التي صارت مقبرة للعشرات منهم , وظل شبح نجد يزوره كل يوم , وهو يردد عليه قائلاً: - أبي قلت لك أنني لا أحب الطائرات .. فلماذا كنت تصر في كل عيد ميلاد لي بأن تهديني واحدة ؟ ولكن يا أبي يبدو أن القذيفة الأخيرة , التي لم تكن لعبة لم تترك لي خياراً آخر , كي انتظر هديتك الجديدة .. ترى كيف يعيشون هناك أبي .. ترى كيف يعيشون ؟؟
كان يكفي للقمر أن يبزغ حتى يسرع السكان , بحثاً عن قوت يومهم , بعيداً عن أشباح الدمار وتحت منشورات توزع :
- سنقوم بإمطار المنتجع بالأزهار .. بالأزهار .. بالأزهار ..
بكى سمو الأمير كثيراً , وهو يتذكر أي نوع من الأزهار تلك ..
لكن الجملة التي أسر بها , للموظف كانت دعابة قصيرة : إن عدت من هناك سالماً فسأهديك قصري .. ظلت هذه مجرد أمنية وحسب فسمو الأمير لم يعد سالماً , حيث بترت يمناه وأوشك أن ينفجر مرات , أمام موظف كان يملي عليه كلماته حين سأله :
- كيف مات أبناؤك ؟؟
- قلت لك لقد قتلوا بالأزهار .
ضحك الموظف كثيراً وهو يتصل بمدير المشفى , كي ينقذه من هلوسات الأمير حيث ثمة الآلاف هناك , ممن قتل أبناءهم بالأزهار .. لماذا أنا هنا ؟ قلت لكم ألف مرة لقد قتلت عائلتي بالأزهار .. أرى السخرية تبزغ من عيونكم .. إن كنتم لا تصدقون فاذهبوا وسلوا ذلك السيد هناك , وهو سيخبركم كيف ماتوا جميعاً , لكن حذار يا أعزائي , فقد بات المشفى مزدحم جداً.. جداً .
حنظلة من بلد المليار شهيد وشهيد